نشر بتاريخ: 2021/07/28 ( آخر تحديث: 2021/07/28 الساعة: 11:46 )

راديو الشباب  

لو قرأنا بحيادية كيف كان مآل التجارب الناجحة في بنية ومسار النظم والكيانات العربية، لاستوقفتنا ثلاث تجارب كنماذج، واحدة هي دولة الكويت في الخليج، والثانية لبنان في بلاد الشام، والثالثة تونس في المغرب العربي.

الأولي.. وهي الآن أشد رسوخا في الحفاظ على ثوابت الدعم والتنبي للقضية الفلسطينية، فحين ازدهرت فيها مؤسسات النظام والحكم، ونافست فيها الصحافة والفنون والثقافة مواطنها التقليدية في عالمنا العربي، ارسلت لها الدبابات وكان ما كان.


والثانية ذلك البلد الذي قيل فيه..”نيال من اله مرقد عنزة في لبنان”، عاش بين ازدهار وتألق لفترة من الزمن وحروب داخلية وخارجية وبالوكالة لفترات اخرى، فكان يستأنف الحياة ويرمم ما يستطيع من مخلفات الحروب غير آبه بأن أقداره جعلت الحرب القادمة واقفة على الدوام وراء الابواب.

والثالثة تونس، الواحة الخضراء التي حين قرر العرب جميعا “الحرد” عن القاهرة ، واخراج جامعة الدول العربية منها، لم يجدوا غيرها لتكون عاصمة الحد الادنى من وحدتهم، فنقلوا الجامعة بكل مؤسساتها اليها، ناهيك عن استقبالها لعشرات الوف الثوار الفلسطينيين وعائلاتهم ومؤسساتهم وقياداتهم الكثيرة، وعلى رأسهم جميعا الرجل الذي كان يصف نفسه بصاحب الدبيب الثقيل ياسر عرفات، الذي لم تحتمله اي من البلدان التي وجد نفسه وثورته فيها.
كان مفرحا ومصدر سعادة تعافي الكويت مما تعرض له لتعود الى دورها كعامل توازن موثوق في نطاق بيئتها الخليجية فضلا عن رسوخها في امر ثوابت الموقف العربي من القضية الفلسطينية. وبوسعنا اعتبارها استثناءً ايجابيا وان كان بعد ألم طويل وعميق.

أما لبنان.. الواحة الحضارية في بلاد الشام، والطليعة الفنية والثقافية والمصرفية والسياحية والعلمية وغير ذلك الكثير في العالم العربي والشرق الاوسط، فها هو يتعثر حتى في أبسط ما يواجه الكيانات والبشر بدءا من معضلة القمامة التي احتلت اجمل عواصم الشرق الاوسط وسممت اجوائها. ولكي لا نغرق في الامثلة فهو الان مريض يصارع بين الحياة والموت، فلا أحد من أهله ولا من اللاعبين على أرضه من محيطه القريب والبعيد ولا الذين كانو يعتبرونه منطقة حرة يستمتعون فيه بما لا يستمتعون به في أوطانهم ، يعرفون إلى أين ستؤول أموره ولا كيف يساعدوه لو أرادو على أن لا يتبدد ويموت، هو الان معضلة لم يسبق أن وصل إليها منذ تأسيس دولته .

هذه التجارب الثلاث الموزعة شرقا ووسطا وغربا، على الخريطة المسماة بالعالم العربي ، ودون إنكار أن هنالك كيانات عربية تشابهها ولو في بعض الجوانب، فنرى الان دولتين ومجتمعين في حالة مأساوية لا يجوز سياسيا وأخلاقيا إدارة الظهر لهما وكأن من تباهوا بتميز البلدين يقولون وبحيادية تصل حد الانكار ” اخلعوا اشواككم بأيديكم” ذلك يجسد حالة من تناقض مأساوي في التعاطي مع بلدين أقر الجميع بتميزهما وحاجة العربي لهما، فكل الجميل في لبنان هو للعرب جميعا وكل الأوجاع والمآسي له وحده، نطرب لفيروز ونضعها في وجداننا وثقافتنا بمكانة الأيقونة النادرة، أما التفكك والانهيار والوقوف على حافة الموت فهو شأن لبناني خالص.

أما تونس.. فميداليات الذهب والفضة التي حازت عليها حتى الان في الأولمبياد فهي للعرب وباسم العرب ورافعة رؤوس العرب وتصلح للتباهي بها أمام الأمم الأخرى وتزين واجهات الصحافة العربية من محيطها إلى خليجها، أما الضائقة الشاملة التي يعاني منها أهل حاصدي الميداليات، فهي شأن تونسي لا دخل لأحد به .

هذه بكل الحزن والحسرة ثنائية مرضية أصابت الحالة العربية قبل كورونا بكثير ومرشحة للاستمرار بعدها كوباء عابر لكل الاوبئة.

هنالك سؤال منطقي يتردد على السنة مئات ملايين العرب، متى نخرج منها وكيف؟… متى؟ لا أحد يعرف، أما كيف فالكل يعرف ولا يريد الاقرار بما يعرف، والأمر لا يحتاج الى اختراعات ومعجزات، فمن كانوا أسوأ منا وصاروا أفضل فهم نماذج تملأ الكون، فلم لا نحذو حذو صانعيها ولا يعيبنا هنا ان نستنتسخ تجاربهم حرفيا وان نستوردها ولو الى جانب كماليات هذا العصر التي تأكل ثلاثة أرباع مقدراتنا.

ظاهرة عربية أشبه بلغز غير مفهوم ، لم نحب دائما أن نستنسخ تجارب الفاشلين مع أننا نرى نتائجها على جلود أصحابها وعلى جلودنا .. كلمة السر المعروفة جيدا تكمن في سؤال الأسئلة … لم لا نفعل ما فعله الناجحون؟