نشر بتاريخ: 2021/09/26 ( آخر تحديث: 2021/09/26 الساعة: 12:41 )
نبيل عمرو

راديو الشباب
 

في خطابه الشامل أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أعطى الرئيس بايدن الفلسطينيين تأكيداً على أنه لا حل أفضل من حل الدولتين.

ولكن حين قال إن هذا الحل لن يتم على المدى القريب، فكأنه أعطى الإسرائيليين الوقت لبناء وضع على الأرض يجعل حل الدولتين مستحيلاً.

الفلسطينيون لا يعانون من عدم الاعتراف بحقوقهم السياسية، بل إن لديهم فائض اعتراف يجسده إجماع دولي شامل، وإذا ما وضعنا في الاعتبار موافقة إسرائيل «سابقاً» على التفاوض حول الشق الثاني من «أوسلو» المسمى «قضايا الوضع الدائم»، فبوسعنا اعتبار إسرائيل من ضمن المعترفين.

غير أن الذي يعاني منه الفلسطينيون حقاً هو تكرس معادلة «فائض الاعتراف بالحقوق يقابله ضعف في العمل من أجل تحقيقها»، وليس ضعفاً يمكن أن يقوى على المدى المنظور، بل تأجيل طويل الأمد.

الذي يقلق في التأجيل هو كيفية التعامل الإسرائيلي معه، فهم لا يعدّونه إرجاءً لاستحقاق ينتظر ظرفاً أكثر ملاءمة، بل مجال استثمار لعامل الوقت الذي تستغل كل دقيقة فيه لتحويل الاحتلال العسكري والاستيطاني إلى سيطرة طويلة الأمد على الفلسطينيين وأرضهم ومصيرهم.

وفي أمر التسوية النهائية ومهما كانت مواصفاتها، فإن استبعادها ليس فقط بفعل التقديرات الأميركية لصعوبة التوصل إليها، وإنما لعدم نضوج الشروط الموضوعية لتوفير نجاح لها، وفي هذا الشأن يمكن القول: لا أحد من أطراف التسوية لديه الجاهزية ليس لإنجازها بل حتى للشروع في تحضيرات لبدء التفاوض حولها، فلا الإسرائيليون في وارد ذلك ما دامت مشاريعهم تجري على الأرض بسلاسة وتسارع، ولا الفلسطينيون يملكون وحدة موقف في هذا الشأن، والأمر هنا ليس مجرد اختلاف في الاجتهادات والبرامج والرهانات، بل هو أفدح من ذلك، حيث الانقسام الذي يقترب من الانفصال، ولا الإقليم لديه الجاهزية التي توفرت في مدريد رغم كل تمايزات أطرافه وقواه، ولا العالم الذي توحد في إطار الرباعية الدولية كما لم يتوحد حيال أي قضية من قبل، وحين يقال إن التسوية النهائية تنتظر جيلاً آخر فذلك لا يعني أن زوال الجيل الذي حاول وأخفق سيؤدي تلقائياً إلى انبثاق جيل أكثر جاهزية واستعداداً وقدرة، فلا أحد يملك رؤية ما سيتبلور بعد الجيل الحالي، إذ لا ضمانات بوجود نسخة منقحة عن ياسر عرفات الذي تجرأ على مصافحة رابين في حديقة البيت الأبيض، متجاوزاً بذلك كل المحرمات التي كانت سائدة قبل ذلك، ولا عن محمود عباس المسمى «مهندس أوسلو» والذي ذهب بعيداً في محاولاته إحراز تسوية، ما فتح عليه أبواب جهنم من الانتقادات والإدانات… وفي المقابل لا ضمانات لوجود رابين آخر في إسرائيل ولا بيريز ومن يماثلهما من قيادات الصف الأول الذين صُنِّفوا بحمائم تقود دولة الصقور، وإذا ما وسّعنا الدائرة فلا أحد يعرف أي نمط من القيادات سيُنتجه الربيع العربي، فكيف هو الأمر بشأن الضمانات؟!

بلغة رشيقة أفصح الرئيس الأميركي عن أن المتاح من الآن وحتى إشعار آخر، هي إدارة للنزاع وتوفير أسباب للتهدئة ولو النسبية، ومنح الفلسطينيين ما يحتاجون إليه من مقومات حياة.

الواقع يقول إن الجانب الإسرائيلي المقتنع والمتجاوب، ولكن على طريقته الخاصة، مع الموقف الأميركي، يواصل سياسته المنهجية ذات الشقين: الفلسطيني، بإحكام السيطرة عليه إلى أطول أمد ممكن، والشق الآخر تطوير وتوسيع العلاقات مع ما أمكن من دول الشرق الأوسط… إذاً فهذه الحالة سوف تستمر، فإن كانت الأطراف المباشرة لا تمتلك جاهزية للتسوية، إلا أنها في المقابل تمتلك جاهزية مستمرة لمواصلة الصراع.