نشر بتاريخ: 2022/05/29 ( آخر تحديث: 2022/05/29 الساعة: 11:21 )
أكرم عطا الله

راديو الشباب  

مع بدايات الانتفاضة الثانية وفي برنامج على إحدى الفضائيات كان ضيفاه الصحافي الفلسطيني عبد الباري عطوان ومعه الكاتب والسياسي اللبناني المعروف كريم بقرادوني، كان عطوان يقدم مداخلته بانفعال شديد، بعدها رد عليه بقرادوني بهدوء قائلاً: يا سيد عبد الباري السياسة تحتاج إلى عقل بارد وقلب حار وليس إلى عقل حار وقلب بارد».
ولأننا في العالم العربي لم نجد لعبة السياسة بعد وذلك لأسباب كثيرة أبرزها أن السياسة لم تنشأ لدينا كحاجة اجتماعية تطورت في سياق ظروف تاريخية صناعية مدنية، بل جاء الجزء الأكبر منها ملتبساً حاملاً هذا الإرث الصحراوي القاسي أو الريفي في أفضل حالاته وجاءت كجزء من التقليد للغرب الذي أنتج السياسة كعلم ؟
وفي هذا ما يفسر ربما قسوة الصراعات على السلطة في العالم العربي وحسمها بالسلاح فلم تصل السياسة العربية للحظة الاتفاق على حل صراعاتها بالاحتكام للشارع والصندوق أو تحت قبة البرلمان أو في إطار المؤسسة.
وفي هذا السياق ربما ولأن السياسة في المنطقة جاءت وما زالت مثقلة بإرثها القَبَلي، فإن نزعة العاطفة اللحظية وبضمنها نزعة الانتقام تطغى على التفكير الهادئ وهو أحد شروط لعبة السياسة، التفكير الاستراتيجي البعيد.
إذ يجري استبدال المرحلي الذي يلبي غريزة الانتقام ولا نفكر بالكلفة الاستراتيجية وثمنها أو يمكن القول إن الخطط بعيدة المدى لا تكاد تذكر في الحالة العربية ويعكسها حجم الإنفاق على مراكز الدراسات والأبحاث التي تكاد تنعدم فيما تلك تحظى بموازنات هائلة في الغرب وفي إسرائيل.
بنيامين نتنياهو تسبب لسنوات بما يشبه الكابوس للفلسطينيين نظراً لحكمه الطويل وقدراته على إدارة الصراع معهم.
فقد تمكن من تبديد المسار السياسي وأنهى أوسلو وأغلق ملف المفاوضات ونجح ببراعة في استكمال مشروع الفصل بين الضفة وغزة وجاهر بذلك ذات مرة عندما سألوه عن نقل حقائب المال لحركة حماس، ونجح في تحقيق اختراق في الإقليم هذا ما جعل من إزاحته عن الحكم طموحاً بل حلماً لدى الفلسطينيين، هذا الحلم لم ننتبه أنه تقاطع مع تغير الإدارة الأميركية لصالح الديمقراطيين الذين بذلوا كل جهدهم لأسقاط الليكود وزعيمه عن الحكم وقد نجحوا.
بعد تشكيل حكومة بينيت كتبت هنا في هذه الصفحة أنني أخشى من أن يكون ثمن  وجود نتنياهو في المعارضة أكبر من ثمن من وجوده في الحكم، وبات واضحاً خلال العام الذي أمضاه بينيت في الحكومة أن تلك الخشية قد تجسدت بشكل فعلي لأن حكومة بينيت الأكثر تطرفاً تفعل كل شيء.
يعلن رئيسها أن لا مسار سياسياً مع الفلسطينيين، وكل يوم نسمع عن مشاريع استيطانية تلتهم الأرض وكل يوم اقتحام للأقصى، كل ذلك يجري التواطؤ معه ودعمه بالصمت بحجة الخوف من عودة نتنياهو.
الحكومة الإسرائيلية القائمة هي حكومة يمين ولكنها خادعة لاحتوائها على وزير خارجية ليبرالي وهو يائير لابيد زعيم حزب «ييش عتيد»، ويشارك فيها حزب ميرتس اليساري وحزب العمل وتحظى بغطاء من حزب عربي، ولأنها كذلك يعتقد ذوو العقل الحار أنها أفضل وأن المهم هو إبقاء نتنياهو خارج الحلبة أو عدم عودته، وتحت هذه الفكرة يجري تدمير المشروع الوطني الفلسطيني برضا وموافقة جميع الأطراف بكل جوانبه سياسياً واقتصادياً واستيطانياً وتهويداً.
ماذا لو بقي نتنياهو في الحكومة أو ماذا لو عاد نتنياهو؟ من المعروف أنه على صدام شديد مع الديمقراطيين وهذا جيد للفلسطينيين، لو بقي نتنياهو في الحكم سيكون هذا الخلاف في صالحهم تماماً، إذ ستسعى إدارة بايدن إلى الضغط عليه سواء بما يتعلق بالقدس أو المشاريع الاستيطانية وقد فعلها أوباما حين كان بايدن نائبه، وستضغطه في المسار السياسي بالحد الأدنى ولو على سبيل التضييق عليه أو مناكفته وربما حينها كان نتنياهو سيدفع الحد الأدنى من فواتير الاستحقاق الأميركي وهذا تماماً في صالح الفلسطينيين.
لكن رئيس الوزراء الحالي هو لعبة الأميركيين ضد خصمهم نتنياهو الذي لم يمارسوا عليه أي نوع من أنواع الضغوط لنفس الهاجس الخشية من عودة نتنياهو، ويقبل الفلسطينيون هذه المعادلة الخاسرة أيضاً خوفاً من عودة نتنياهو؟
ولهذا ثمنه بتهويد القدس ومسيراتها والاستيلاء على الأرض التي كان يجب أن تقام عليها الدولة بالاستيطان وإغلاق المسار السياسي للأبد بشكل لم يخفه بينيت بعد لقاء غانتس مع الرئيس محمود عباس ولم يجد أي ملاحظة أميركية أو غيرها، لو كان نتنياهو موجوداً سنشهد خلافات مع الأميركيين وبروداً شديداً مع الأوروبيين والعرب لن يخرجوا عن السياق العام.
وبسبب الهاجس من عودة نتنياهو يتم تدعيم حكومة بينيت بمنصور عباس وحزبه الإسلامي .
وكان موقف حماس تجاه منصور عباس أكثر قسوة من صمت السلطة الوطنية على وجوده المكلف جداً فقد وصفه رئيسها بغزة «بأبو رغال»، مع الزمن يزداد الثمن أكثر ويتم تدعيم وحماية حكومة بينيت من السقوط وفي السياق تمارس أسوأ ما كان يمكن أن تمارسه حكومة نتنياهو.
لم يعد المقبول أن يدفع الفلسطيني ثمن وجود نتنياهو في المعارضة بشكل مضاعف، فليأتِ نتنياهو وليشكل حكومته الواضحة من الليكود وشاس ويهودوت هتوراة وممثل كهانا وبن غفير وسموترش وليتقدم بها للعالم وللأميركيين، فستكون أفضل كثيراً من حكومة تضع كل هذا المكياج الذي ندفع فواتيره، فليأتِ نتنياهو ولنراقب علاقته مع بايدن أفضل كثيراً من أن نرى في إسرائيل كل هذا الخداع الذي يضاعف تلك الفواتير وبرضا ومباركة الجميع...!!!