نشر بتاريخ: 2022/09/12 ( آخر تحديث: 2022/09/12 الساعة: 12:57 )
مـريم حسـن الدعبـله

راديو الشباب  

تبرز أحداث 11 سبتمبر 2001 بالنسبة للقضية الفلسطينية من ناحية الأثر السلبي الذي خلفته عليها بالدرجة الأولى من بين مجمل القضايا المتواجدة على المستوى العالمي، و ذلك لما حملته تلك الأحداث من تطورات غيرت طبيعة التعامل مع القضية الفلسطينية، فقد جاءت تطورات الأحداث ضد صالح الفلسطينيين وقضيتهم، وعكس مطلب الانتفاضة؛ ما انعكس سلبا في التعامل مع القضية، في ظل استفراد أمريكي بها لم يكن من قبل.

وتأثرت فلسطين شعبا وسلطة وقضية بأحداث 11 سبتمبر، إضافة إلى المطالبة الأمريكية الصريحة بتغيير القيادة الفلسطينية بأخرى تحظى بالموافقة الأمريكية والإسرائيلية آنذاك، وأخطر ما واجهته القضية هو إعادة تكييف المقاومة المشروعة التي تهدف إلى التخلص من آخر احتلال عسكري عالميا، وتصنيفها ضمن الأعمال الإرهابية الواجب التكاتف من أجل إيقافها والقضاء عليها.

وعزز هذه المواقف الانفرادية تجاه القضية؛ الموقف العربي غير الفاعل، الأمر الذي نحى بالقضية لأن تعامل على أساس أنها صراع فلسطيني–إسرائيلي من جهة، وأنها قضية تتطلب الصلح من الداخل (السلطة والقائمين عليها) من جهة أخرى، حيث شكل ذلك مطلبا هاما ضمن الأجندة التي تطرح، وأصبح هنالك التفاف على طبيعة الصراع.

رافق ذلك غياب الاهتمام العربي والعالمي بالقضية وبمعاناة الشعب الفلسطيني، الذي غيب العديد من قادته ونشطائه البارزين كالرئيس ياسر عرفات، ناهيك عن بروز قضايا منافسة على الساحة الدولية أخذت مكانها، كالاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003.

فبعد أن كان يعتبر الاحتلال أساسه، أضحى الاعتبار السائد لدى أطراف اللعبة السياسية من الأمريكيين والإسرائيليين، أن الفلسطيني هو أساس المشكلة والمعاناة التي يعانيها، نتيجة عدم تعاطيه كما روجت حملتهم الإعلامية مع المتطلبات الأمريكية والإسرائيلية في إحلال السلم؛ لتخليه عن مطاردة المقاومين ووقف أعمال المقاومة التي باتوا يعتبرونها "إرهابا".

أمريكا وإسرائيل

أخذت الولايات المتحدة الأمريكية على عاتقها منذ قيام دولة الاحتلال عام 1948 حمايتها بكل السبل الممكنة سياسيا واقتصاديا وعسكريا، والحيلولة دون أي تهديد يمس أمنها ووجودها، ولعل تعاملها في مجلس الأمن حيال أي قرار من الممكن أن يسبب حتى ولو إحراجا لإسرائيل يعطينا مؤشرا على هذا، فقد استخدمت الولايات المتحدة حق النقض "الفيتو" 42 مرة على مدى العقود الخمسة الماضية ضد أي قرار يدين ممارسات الاحتلال في الأراضي المحتلة.

وظهر التغير في التعامل مع القضية الفلسطينية عندما تم تداولها بصورة مختزلة على شكل جولات تفاوضية ومساع للتهدئة، دون البحث عن حل جذري على أساس الأرض مقابل السلم أو أسس الشرعية الدولية، مقابل حالة من التدمير الشامل الممارس من الاحتلال على الأرض، وما سببه من تفاقم تردي الوضع الفلسطيني، الذي بات يضيق ذرعا جراء ذلك، و دفعت به للبحث عن طرق يستنفذ من خلالها ما لديه من احتقان وامتعاض، كتصعيد عمليات المقاومة أو الانخراط وراء أي مبادرات؛ كهروب من الوضع الذي يعانيه، و كتعبيرٍ عن رفض كل أشكال الاحتلال وممارساته.

الترويج لابتهاج وشماتة مفتعلة

أخطر تداعيات 11 سبتمبر على الإطلاق هو إعادة تكييف المقاومة الفلسطينية لتصبح إرهابا يجب استئصال جذوره وليست جهادا وطنيا مشروعا لآخر احتلال عسكري في عالمنا، وفور وقوع الحدث تم ترويج مشهد صورة صحفي بريطاني مشهور لمجموعة من الفلسطينيين يضحكون ويرقصون على أنه مظهر من مظاهر فرح الشعب الفلسطيني لما حل بالولايات المتحدة الأمريكية بسبب تحيزها لكيان الاحتلال في التعامل مع القضية الفلسطينية، وانتشر هذا المشهد الذي لم يستغرق 45 ثانية، وأذيع في معظم محطات التلفزة العالمية دون تمحيص أو دليل على أن مناسبة هذا الفرح هي تفجيرات نيويورك وواشنطن، كما لم يتم أي لقاء مع أي من المبتهجين لمعرفة أسباب سعادتهم، فوجهت تلك البداية الرؤية الأمريكية المتأثرة أصلا بثقافة الصورة.

كل ذلك انعكس على القضية الفلسطينية ونحى بها منحى لف القضية بكاملها، حتى بات تركيز الفلسطيني موجه لتحقيق أدنى المطالب لا سيما مع تعقد الحياة المعيشية واضمحلال توافر فرص العمل لديهم، بسبب مضايقات الاحتلال الممارسة.

المطالبة بتغيير القيادة الفلسطينية

فرغت أحداث سبتمبر الموقف الأمريكي من رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات من أي تعاطف بعد القبول النسبي الذي كان قد حظي به إبان عهد الرئيس السابق بيل كلينتون، وقد تجلى ذلك في 4 ابريل عام ٢٠٠٢ حين صرح الرئيس جورج بوش أن ياسر عرفات مسؤول عما يجري من أعمال عنف وأنه خيب الآمال المعقودة عليه من طرف شعبه، وجاء ذلك التصريح في توقيت صعب بالنسبة لعرفات حيث كان الحصار الذي فرضته سلطات لا يزال مستمرا عليه.

ولم يكن موقف الرئيس بوش من عرفات سوى تكرار لموقف رئيس وزراء الاحتلال أرييل شارون الذي صرح في 29 مارس 2002 أن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات عدو ينبغي عزله، ومنذ ذلك التاريخ تمت محاصرة مقره في رام الله من طرف دبابات الاحتلال.

ولم تكفِ مواقف السلطة الفلسطينية بعد ذلك ولا تبرع رئيسها ياسر عرفات بدمه لضحايا الحادث في كبح جماح الإعلام الموجه ضد الفلسطينيين وقضيتهم بل ازداد الموقف الأمريكي تشددا بعد 11 سبتمبر.

كما ازداد الأمر تعقيدا مع التغير الذي شهدته الخريطة السياسية الفلسطينية، عقب فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006، وما تبعها من تطورات داخلية وخارجية، وحتى على ساحة الاحتلال نفسها زادت من تدهور الأوضاع، وتجاوزت القضية السياسية الأساس.

الموقف من حركات المقاومة

لم تتردد الولايات المتحدة حين أعلنت الحرب على ما تسميه الإرهاب في توجيه أسهم الاتهام لحركات المقاومة في فلسطين، فبعد شهرين من أحداث سبتمبر، وفي 15 نوفمبر 2001 صنفت الولايات المتحدة حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وحركة الجهاد الإسلامي وكتائب شهداء الأقصى والعديد من الجماعات والفصائل الفلسطينية الأخرى على أنها منظمات إرهابية.

الموقف من الدولة الفلسطينية 

التغييرات التي أدخلها ياسر عرفات على أجهزة السلطة لم تكن كافية من وجهة النظر الأمريكية واعتبرتها مجرد تغيير في بعض الوجوه والشخصيات وليس في الهيئات والمؤسسات وفلسفة العمل،

فأعلنت الإدارة الأمريكية عن اهتمامها بإقامة دولة فلسطينية وصرح وزير الخارجية الأمريكي كولن باول في 12 يونيو 2002 لصحيفة الحياة اللندنية أن الرئيس بوش يقبل إنشاء دولة فلسطينية "مؤقتة" وأنها ستشكل مرحلة انتقالية في انتظار قيام دولة فلسطينية، لكن الرئيس بوش اشترط التغيير في القيادة بعد أن صرح في خطاب له بالبيت الأبيض يوم 24 يونيو 2002 بأن قيام دولة فلسطينية مشروط بوجود قيادة فلسطينية جديدة ومختلفة عن القيادة الراهنة.

إن أحداث 11 سبتمبر كانت نقطة فارقة بالنسبة للوبي الصهيوني، وذلك على صعيدين رئيسيين، هما: أثره على الجمهوريين، وانقلاب الشعور لدى كثير من الأمريكيين ضد المسلمين بأن كلهم أعداء، واستغل اللوبي حالة الكراهية التي ظهرت ضد المسلمين، حيث انقلبت الأمور ضدهم، في صورة نمطية في أذهان كثير من الشعب الأمريكي بأن كل المسلمين أعداء، فقام اللوبي باستغلال ذلك، لربط الحرب على الإرهاب بالمسلمين ككل، وتوجيهها للقضية الفلسطينية، بأن ما يواجهه الاحتلال في فلسطين، ذاته الذي واجهته أمريكا في 11 سبتمبر.

تغيير الدعم الدولي

لم يتوقف تأثير أحداث سبتمبر على تشدد الولايات المتحدة وحدها تجاه السلطة الفلسطينية، بل غيرت هذه الأحداث الدعم الدولي تجاه السلطة فسار على المنوال نفسه الاتحاد الأوروبي الذي أعلن في 15 يونيو 2002 عن حجزه لتمويل مخصص للسلطة الفلسطينية بمبلغ 18.7 مليون يورو حتى يعرف طرق استعماله، كما أعلن مؤتمر الثماني (G8) الذي عقد في كندا في 27 يونيو 2002 عن ضرورة إجراء إصلاحات داخل السلطة الفلسطينية.

إبعاد بعض وجوه السلطة عن مناصبهم

ظلت السلطة الفلسطينية حريصة على تبني مبدأ "الدبلوماسية المرنة" والاستجابة لكل ما من شأنه أن يعطي الانطباع بأن الفلسطينيين حريصون على مماشاة المجتمع الدولي، ففي 10 يونيو 2002 أعلنت السلطة الفلسطينية عن تشكيل حكومة جديدة كخطوة أولى تدخل في سياق الإصلاح الذي تطالب به أمريكا وإسرائيل، فأصبح عدد الوزراء 20 بدل 30، كما عين عبد الرزاق اليحيى وزيرا للداخلية بعد أن كان هذا المنصب يتولاه الرئيس عرفات.

 وفي 2 يوليو 2002 وفي إطار الإصلاحات أقال عرفات غازي الجبالي قائد الشرطة الفلسطينية كما أقال محمود أبو مرزوق قائد الدفاع المدني، وفي 5 يوليو تم تعيين زهير مناصره قائدا للأمن الوقائي الفلسطيني بالضفة المحتلة ليحل محل جبريل الرجوب.

غير أن هذه التغييرات لم تكن كافية من وجهة النظر الأمريكية واعتبرتها مجرد تغيير في بعض الوجوه والشخصيات وليس في الهيئات والمؤسسات وفلسفة العمل داخل السلطة الفلسطينية، ولا تزال الضغوط الأمريكية والإسرائيلية على الفلسطينيين مستمرة.

وأخيرا يشار إلى أن الاحتلال تمكن من إقناع الأمريكيين بأن حرب "إسرائيل" هي حرب أمريكا ذاتها، وأن الإرهابيين نفسهم الذين نفذوا الهجمات في أمريكا ذاتهم إرهابيون يهاجمون إسرائيل، فصار هناك حالة كبيرة من التعاطف مع الإسرائيليين، وكانت هذه بداية التحول.