نشر بتاريخ: 2023/05/15 ( آخر تحديث: 2023/05/15 الساعة: 12:07 )

راديو الشباب  

في التاسع والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر 1947، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار المشؤوم 181 في ذاكرة الشعب الفلسطيني، بتقسيم فلسطين إلى 3 كيانات سياسية: دولة فلسطينية عربية على 45%، وتأسيس دولة يهودية على 55% من أرض فلسطين الذين كانوا يسيطرون على أقل من 7% فقط من الأرض، وإخضاع مدينة القدس وبيت لحم للوصاية الدولية.

قوبلت الخطة برفض فلسطيني وعربي، ووافقت عليه الوكالة اليهودية رغم امتعاضها على رغبتها في استلاب بقية الأراضي رغم أن نسبة المستوطنين في ذلك العام كانت 31.7%، وأما على الأرض فقد استولى الصهاينة على عشرات المدن والقرى، وطردوا سكانها بالقوة تحت أعين سلطات الانتداب البريطاني.

صوتت 33 دولة مع قرار التقسيم، وصوتت 13 دولة ضده، هي الدول العربية، إضافة إلى كوبا وأفغانستان وباكستان وإيران واليونان.

شكل قرار التقسيم المظلة السياسية للعدوان الصهيوني، لتهجير الشعب الفلسطيني خلال حرب عام 1948، بما في ذلك عشرات المجازر التي ارتكبها الصهاينة.

وأقر القرار أيضا تنفيذا لرغبة بريطانيا بالانسحاب من فلسطين، بعد أن ساهمت في ضخ المستوطنين فيها، وتمكينهم من أهم المرافق في البلاد، وتشكيل عصاباتهم وتدريبها وتسليحها.

وبعد نحو ثلاثة عقود على الانتداب البريطاني، أُعلن عن قيام "إسرائيل"، واستُخدم تعبير النكبة لوصف عمليات التهجير القسري الجماعي التي قامت بها العصابات الصهيونية بطرد 957 ألف فلسطيني من أصل مليون ونصف تقريبا من بيوتهم وأراضيهم في فلسطين، وإحلال اليهود بدلا منهم، وفي سبيل ذلك ارتكبت العصابات الصهيونية أكثر من 70 مجزرة بحق الفلسطينيين تصنف ضمن جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، فيما سيطرت العصابات الصهيونية على 774 قرية ومدينة فلسطينية ودمرت 531 منها بالكامل، وطمست معالمها الحضارية والتاريخية، وما تبقى تم إخضاعه لكيان الاحتلال وقوانينه، وبهذا صار أكثر من ثلاثة أرباع مساحة فلسطين التاريخية تحت الاحتلال الإسرائيلي.

ومنذ منتصف القرن التاسع عشر، اهتمت بريطانيا بفكرة إنشاء وطن قومي لليهود، ووجود قوة صديقة قرب قناة السويس، ما يصب في مصلحة الإمبراطورية العظمى الرامية إلى ترسيخ نفوذها في المنطقة، وتأمين سيطرتها على المعابر البحرية التي تصلها بمستعمراتها في شرق آسيا، خصوصا مع تدهور الدولة العثمانية. وقد أخذ سياسيون بريطانيون يرويون لفكرة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، وأدرك قادة الحركة الصهيونية أن أقوى أمل في إقامة دولة يهودية في فلسطين هو بريطانيا.

ويرتبط قيام إسرائيل في أساسه بالدعم البريطاني منذ أواخر القرن التاسع عشر، وحتى قبل صدور إعلان بلفور المشؤوم الذي يعتبر المحرك الأكبر لوقوع النكبة، إذ كانت هناك سلسلة طويلة من الخطط والمشاريع والمؤتمرات التي مهدت لنشأة إسرائيل، وأدت فيه بريطانيا دورا محوريا لم يكن للحركة الصهيونية أن تتقدم لولاه.

تقول رسالة لرئيس المنظمة الصهيونية العالمية حاييم وايزمن عام 1914 إنه إذا وقعت فلسطين ضمن دائرة النفوذ البريطاني وشجعت الاستيطان اليهودي هناك، فقد يكون لدينا في غضون 20-30 عاما مليون يهودي هناك، وسيشكلون حرسا فعالا للغاية لقناة السويس، لذلك عمل وايزمن على إنشاء روابط مع قادة بريطانيين منهم الدبلوماسي مارك سايكس، ووزير الخارجية المستقبلي آرثر بلفور.

عقب الحرب العالمية الأولى، وقّعت بريطانيا وفرنسا اتفاقية سايكس بيكو لتقسيم المنطقة بينهما على أن تكون فلسطين تحت إدارة دولية، لكن سايكس كان يدفع باتجاه إنجاح مشروع الصهاينة في فلسطين وتخطي الإدارة المشتركة مع فرنسا، ومهد ذلك لإصدار الرسالة المعروفة بوعد بلفور والتي نصت على أن بريطانيا تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي على ألا يجري أي شيء قد يؤدي إلى الانتقاص من الحقوق المدنية والدينية للجماعات الأخرى المقيمة في فلسطين، ووُصفت الرسالة بأنه "وعد من  لا يملك لمن لا يستحق"، لأن بريطانيا لم يكن لها أي حق قانوني أو سياسي في فلسطين، وتعتبر هي الممهد الرئيس لباب الهجرة على مصراعيه وقيام إسرائيل.

بعد شهر من إعلان بلفور، سقطت الدولة العثمانية ودخلت القوات البريطانية القدس في 11 كانون الأول/ ديسمبر 1917، وعُقد مؤتمر سان ريمو الذي تقاسمت بموجبه بريطانيا وفرنسا المنطقة، ليبدأ عهد الانتداب البريطاني في فلسطين، وعلى مدى 30 سنة، استخدمت بريطانيا كل ما يمكن لوضع فلسطين في حالة سياسية وإدارية واقتصادية تسمح بإنشاء وطن قومي لليهود.

دعم الانتداب البريطاني شراء الوفود الصهاينة للأراضي الفلسطينية لبناء المستوطنات، ما أدى إلى تهجير عشرات آلاف الفلسطينيين قسرا من بيوتهم، وفرضت ممارسات تميزية واضحة ضد الفلسطينيين أدت إلى صعوبة أوضاعهم الاقتصادية، ومنعتهم من حمل السلاح، في حين سمحت لليهود بذلك بدعوى أنهم أقلية بحاجة إلى الدفاع عن النفس.

تدريجيا، تحول اليهود من أقلية دينية إلى جماعة لديها ثقلها العددي فلسطين (من 84 ألفا عام 1922- 650 ألفا عام 1948)، وفي المقابل لم تتوقف المقاومة الفلسطينية للمشروع الصهيوني وتشكلت منظمات فلسطينية سرية شبه عسكرية، كانت إحداها بقيادة عز الدين القسام عام 1935، الذي استُشهد على يد القوات البريطانية، وأعقب استشهاده فتيل الثورة الفلسطينية عام 1936-1938 والتي استمرت ثلاث سنوات وقمعتها بريطانيا بالقتل والتعذيب والتجويع والتنكيل الجماعي والاعتقال التعسفي، كما عانى الفلسطينيون من بطش العصابات الصهيونية المسلحة التي تلقت الدعم والتدريب من الجيش البريطاني ووصل عددها إلى 40 ألفا. وتبع هذه الفترة تحول الثقل السياسي من بريطانيا إلى الولايات المتحدة تحديدا منذ مؤتمر بالتيمور عام 1942 إثر جهود الحركات الصهيونية في استمالة الزعامات الأميركية عن طريق رأس المال والدعاية.