نشر بتاريخ: 2023/05/21 ( آخر تحديث: 2023/05/21 الساعة: 22:45 )
نسرين موسى

راديو الشباب  

إن الإنسانية أساس كل العلاقات، لو توفرت لنجحت علاقاتنا، سواء أكانت زواج أو حب أو صداقة، وحينما نتجرد منها حتما سنفشل.

حينما نحب بصدق، ونستشعر هذا الحب ونبدأ نغير من أنفسنا من أجله ويتعمق بنا، يصبح ليس من السهولة التخلي عنه بمجرد سوء تفاهم أو أي موقف حتى لو كان صعبا، ولوكنا إنسانيين ونعرف ما معنى أن تحب سنجد من الصعوبة الانسحاب والتخلي عن هذه العلاقة.
إذا كان الحب صادقا، ليس من السهولة إنهاءه بضغطة زر، وكيف يكون الانسحاب بسهولة وقد تغلغل بالروح والقلب؟

كثيرا ما استمعت لعذابات من أحبوا بصدق وكانت مكافأتهم انسحاب الطرف الاخر وتركهم، ولا أبالغ إن قلت في بحر من العذاب وسواد الحياة.
يظن من ينسحبون ان النسيان بسهولة، كيف ذلك، وكل الذكريات تنصب على المحب في ليله ونهاره، وتحول ليله إلى نهار ، يستذكر بألم ووجع لا ينته كل صغيرة وكبيرة تعنونت تحت هذا الحب.

الصباح لا يصبح صباحا إذا ما استمعت لكلمة صباح الخير التي تعودت عليها ممن تحبه، لأن في قانون الحب الصباح الذي لا تسمع فيه صباح الخير ممن تحبه يبقى ليلا.
هذا أقل شيء من تفاصيل الحب، فما بال تفاصيل أخرى كانت كثيرة وأصبحت موجعة، جعلت من المحب إنسانا ميتا وهو على قيد حياة؟

أين إنسانيتنا، هل نحن جماد ؟ أليس من روح ودم؟
كل الظروف والمواقف والأخطاء واهية تافهة أمام لحظة حب صادقة، أمام ذكريات شكلت حياتنا، أمام سعادة في لحظات من صنعنا.
لماذا نقسو وننسحب من حياة من منحونا الحب؟ لماذا خُلِق الاعتذار عن الأخطاء، لماذا نوصد الأبواب بردات فعل تنسينا ما كان؟

كيف سينام المحب بدون الحديث الطويل مع من اعتاد على وجوده؟ لماذا نضع أقفال حديدية على قلوبنا الهشة ونمنع دخول أحباءنا بسبب أخطاء يمكن غفرانها؟ لماذا نجعلهم يعيشون الألم ولا نلق لهم بالا كأنهم لم يمروا بحياتنا؟

لماذا نجعل مقولة لا تحب بعنف لأنك ستتألم بعنف هي السائدة والحقيقة؟ ماذا لو كان العكس حينما تحب بعنف ستكون سعيدا أكثر؟

نستطيع بحبنا الغفران ، من يمتلك شجاعة الغفران للحبيب؟ الحب يجعلكم تشتعلون بالشجاعة، أين الشجاعة بالانسحاب وتحويل حياة المحب لجحيم؟ ألم يكن روحا جميلة في حياتكم؟
يدهشني أولئك الذين يطوون الصفحات كأنها لم تكتب بصدق الحب، كيف يطوون القلوب التي أحبتهم ويحولونها لقلوب حزينة؟

كيف يقتلون طاقة الحب التي أشعلوها في قلوبهم وأصبحت محفزا للحياة والنجاح والتغيير للأفضل؟.
همس لي زوجي قبل ارتباطنا ذات مرة أن الحب فقط يحتاج لكلمة ووعد، فما بال الذين يوعدون ينقضون العهود عند أول منعطف وأول خطأ؟

لماذا خُلِق العتاب؟ في العتاب تستطيع محو كل الزلات والأخطاء وتحولها مرة أخر لطاقة حب لا تنته.
تستطيع بالعتاب تغيير ما كرهته في من أحببته.

ندعي الإنسانية والمثالية وعند أول مطب في علاقاتنا ندق جرس الغياب والانسحاب والنسيان، وركل كل الذكريات كأنها لم تكن، وحتى عند الانسحاب ننسحب بسرعة البرق كأن الذي أمامنا كتلة من الحديد لا يشعر.

حتى الانسحاب يجب أن يمتثل للأخلاق، ونراعي أن روح الذي يقف أمامنا قد انسحبت منه.
نحول كل شيء لهراء عند الخطأ، حتى لو تكررت الأخطاء، فالحب يحتمل للخطأ والصواب، لسنا ملائكة حت نسير على صراط مستقيم في علاقاتنا، والعلاقات الصحية في الأصل يشوبها الخطأ ولا تسير على وتيرة الصواب دائما.

يحزنني ويمزق قلبي حينما أستمع لمرارة المحبين ممن خذلوا بالنسيان والانسحاب.
منهم من يُعاقب بسبب غيرته وشدة اهتمامه، ومنهم من تم دفنه بسبب خوفه على من يحب بحجة أنه يدعو لخنقه بهذا الاهتمام، ومنهم من عوقب لأن أطرافا لا تريد هذا الحب دون دفاعا من المحب عن محبوبه.

قصص كثيرة محورها الانسحاب دون رحمة، ويغوص المحب بعذاب الذكريات.
حتى الشوق يصبح حراما بعد الانسحاب، يحرمه المنسحب ويصبح خطيئة يرتكبها من يحب.
أصبحنا نعرف من الحب فقط بداياته، وحولناه إلى كذبة رغم صدقه،ونسينا أن الحب يتسع للشوك قبل الورد.

نتغير ونتسم بالجحود، لكنني أرى اننا لا نتغير فجأة، كما قالها شاعرنا محمود درويش :" لا احد يتغير فجأة ولا أحد ينام ويستيقظ متحولا من النقيض للنقيض ، كل ما في الأمر أننا في لحظة ما نغلق عين الحب ونفتح عين الواقع.

ننسى الوعود الجميلة بمجرد دقنا لجرس الانسحاب، ونسينا أن الحب مثل الموت وعد لا يزول.
نحكم على من يحبونا بالموت وهم على قيد الحياة بحجة أنها تجربة وتعلمنا منها، ما الذي تعلمناه؟ هل نعلم شيئا عن الحنين بعد الفراق ووجعه؟ هل نعلم عن تخلي الصباح والليل عن معانيهما بعد الانسحاب؟

كونوا إنسانيين ولا تتجردوا من الإحساس بحجة الأخطاء المتكررة، فكل خطأ يمكن علاجه لو كنا صادقين.

لو كنا نعلم أن الحب كالورود يحتاج للاهتمام ولا ينمو بدونه لما ضغطنا على زر الانسحاب .
حزنت وانا أستمع لقصص المحبين وأن الحب يدفعهم حتى للصلاة، صلاة شكر لوجودهم في حياة بعضهم، وصلاة استسقاء ليبق ممطرا على قلوبهم.

أحبوا حتى التعب حتى يمطر الصباح بفاكهته عليكم، لا توصدوا الأبواب بأقفال الانسحاب، تمسكوا بالحب بقرءان الغفران والصفح.

لا تحطموا قلوب أحببتكم ولا تجعلوا الشتاء بائسا بالصمت، والصيف جافا بغياب الهمسات، و النهار معتما دون النظر لوجوه أحبتكم، ولا تجردوا بدنكم من فرح الحب.

لا تجلعوا الحياة حقيرة بنزع رداء الحب عنكم، التصقوا بأوراق الحب وكلماته واهربوا من كل شيء إلا من طريق الحب.

تصافحوا من جديد، اغفروا كونوا بحياة بعضكم دون نهاية، الحب يحتمل الشوك قبل الورد.