نشر بتاريخ: 2021/02/19 ( آخر تحديث: 2021/02/19 الساعة: 13:16 )
عدلي صادق

 

قدم د.ناصر القدوة رؤيته للمشهد الفلسطيني، فأصاب في معظم ملاحظاته، لا سيما عندما أكد على أن النظام السياسي الفلسطيني يحتاج إلى تغيير وليس إلى إصلاح وحسب، وعلى كون فكرة القائمة المشتركة، بين فتح وحماس، محض "صفقة" هدفها إعادة إنتاج هذا النظام لمصلحة عناصره المتنفذة!
غير أن ما بدا غريبا، هو تعرض د.ناصر إلى تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح، وهو تعرّض نتفهم دوافعه التي تتعلق حصرا، بتأمين عنصر البراءة من مظنة وجود أية صلة مع هذا التيار، وتلك براءة مستحقة، لأن عدم الصلة كانت ولا تزال أمرا حقيقيا. 
فإن كنا معنيين بتسليط الضوء على دوافع مثل هذه الإشارة إلى "التيار"، نكتفي بالقول إن آراء أخينا، التي عبر عنها من خلال ندوة عبر وسائل التواصل، تكاد تتطابق مع آراء "التيار" في خطابه اليومي، في المصطلحات والتفصيلات. وللإنصاف، يتوجب القول إن هذه الآراء، ليست مقتصرة على "التيار" وناصر القدوة، وإنما هي حديث الكادر في كل مكان، وإن كان هناك فارقاً، بين الإدلاء بهذه الآراء في الغرف المغلقة والمجاهرة بها على الملأ. ولعل هذه مناسبة للتأكيد مجدداً على أن المنحى النقدي، في خطاب "التيار" ثم في أحاديث الآخرين، لم ينشأ عن كراهية أو حسد أو عن رغبة في إضعاف حركة فتح، التي لم يكف المتحدثون الغيورون عليها، عن الدعوة الى وحدتها.
هناك تلميح في حديث د. ناصر القدوة، الى ما يُسمى "المال السياسي". كأنما شرط الجدارة السياسية هو ألا يتلقى أحد المساعدات من الأشقاء والأصدقاء والمتعاطفين، بينما الحقيقة، هي أن الفلسطينيين لم يكونوا يوماً، في حال الإستغناء عن المساعدات، ولم تكن هذه المساعدات مشروطة، بدليل أن المواقف السياسية للمشتغلين في العمل الوطني، ظلت على مر المراحل، تراوح في مربع القراءة  الصحيحة لتطورات الأوضاع في الوطن وفي الإقليم. ومن دواعي الأسف، أن مخترعي مفهوم "المال السياسي" لوصف المساعدات التي تتلقاها الكيانات الفصائلية الفلسطينية، هم أنفسهم الغارقون في المال السياسي والأمني، من دول تناصب الشعب الفلسطيني عداءً صريحاً، وينعكس مالها في ظواهر التنسيق الأمني والسياسات الإجتماعية، والتصدي للمقاومة الوطنية حتى على مستوى اللغة والثقافة.
المساعدات واجبة أدبياً على الأشقاء، لا سيما الذين كان لهم باع طويل، تاريخياً ومنذ أيام أسلافهم، في تقديم العون للشعب الفلسطيني، وعدم التردد في إغاثته. فقد بدأت الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، مسيرتها في مستهل عقد العشرينيات، بمناشدة الأشقاء والأصدقاء تقديم العون، قبل أن تتأسس الأطر القيادية وتظهر الزعامات. ولم يكن منطقياً وَصْم المساعدات، بأنها "مال سياسي" بالمفهوم الإبتزازي المشروط. 
بالنسبة لــ "تيار الإصلاح" في حركة فتح، الذي حاول البعض دون جدوى، وبغير منطق، تعليل ظهوره باعتباره انشقاقاً؛ فقد كانت الخلفية الوحيدة لتأسيسه، هي الإقصاء، بمعنى أنه شُقَ بالمنطق الفاسد نفسه، الذي جعل رئيس السلطة يقول ما قاله متوعداً أعضاء لجنته المركزية، في حال اجتهد أيٌ منهم وحاول ممارسة حقه الدستوري في الإنتخابات بتشكيل قائمة يراها أوفر تمثيلاً للمجتمع وللحركة. 
في حديثه الضافي والمُقدر؛ وقع د. ناصر القدوة، في خطأ مؤسف، عندما وصف التيار الإصلاحي بأنه "مجموعة لا تستطيع الان أن تشكل حالة سياسية مقبولة ومحترمة لدى الشعب الفلسطيني، بالرغم من المساعدات التي يتم تقديمها لأبناء شعبنا". فــ "التيار" ليس مجموعة، وإنما هو ـ في حال استقامت الأمور وانكسر العناد ـ يمثل قوة حيوية حقيقية، إجتماعية ووطنية، تُحسب موضوعياً لحركة فتح، طالما قادتها يتمسكون بهدف وحدة الحركة. واستقطبت هذه القوة، عشرات الألوف من الفلسطينيين، منتسبين ومؤيدين، وقد شاهد د. ناصر القدوة حشودها في المناسبات، ومن الخطأ تجاهلها والتغاضي عن وزنها، وبخاصة من رجل يطمح الى دور عام، ويقاوم محاولات الإقصاء، بينما الأدوار توتى من خلال التعرف التفصيلي على المشهد، والتحرك الإيجابي في المجتمع، والتمسك بأهداف الحركة الوطنية الفلسطينية، وهذه الخطوط العامة، هي التي حظيت بالإحترام، لدى قطاعات شبابية عريضة، حتى توجب على الآخرين، أن يرفعوا أرصدتهم من إحترام المجتمع. فإن كان "التيار" عددياً، ليس إلا محض مجموعة، فبماذا نصف الفصائل الصُغرى؟. لعل الأخ ناصر لا يعلم، أن نحو 80% من منتسبي التيار، لا علاقة مالية لهم معه، ومعظمهم من الأجيال الشابة، وأن الـ 20% متوزعون بين حالات إغاثة واجبة ومستحقة، ومكلفون بأعمال في قطاعات التيار، وهذه هي الحقيقة، التي أفشلت محاولات الإقصاء، وخلقت أمراً واقعاً، لا ينكره إلا أصحاب المصلحة في بقاء الأمور على حالها المُزري.
في إشارته غير الموفقة عن تيار "الإصلاح الديموقراطي"؛ ذهب د. ناصر القدوة الى القول  "لا يمكن وجود أي من رموز في هذه المجموعة، باستثناء الشباب والمناصرين ومن كان يبحث عن الخلاص، فأهلا وسهلا بالجميع على هذه الأرضية". هنا، تنهض بعض الأسئلة في ضوء هذه الملاحظة المرتَجلة: "أين هي الرموز داخل القوى الأخرى؟ وكيف ينشأ الرمز؟ وهل ظل هناك رموز تاريخية في العالم أم إننا بتنا في مرحلة القادة المعرضين للنقد والمساءلة؟

الكلمات الدلالية