نشر بتاريخ: 2021/02/24 ( آخر تحديث: 2021/02/24 الساعة: 10:44 )
عبد الغني سلامة

 

مثل كثيرين من أبناء شعبنا، أتمنى لو أن لدينا نظاماً ديمقراطياً راسخاً، نظاماً يجدد نفسه تلقائياً، وبسلاسة، وبمواقيت لا تتغير، فيكون لدينا رئيس سابق، وأسبق، ومرشحون يحسبون ألف حساب لقواعدهم الانتخابية (لا لعشائرهم).
لكن الحالة المزرية التي نعيشها اليوم لا تسمح بذلك؛ فسبب الانقسام السياسي والجغرافي، وحالة الاستقطاب الحادة بين التيارات المتصارعة، وحالة التشرذم والتكلس التي تعيشها الطبقة السياسية بأكملها، والغموض الذي يكتنف واقع ومستقبل المشروع الوطني، وارتهانه بيد فئات متحكمة.. فضلاً عن العوامل الخارجية الضاغطة.. لهذه الأسباب وغيرها نحن أمام مشهد سياسي غاية في التعقيد، والخيارات أصعب من بعضها.. أجد نفسي حائراً وعاجزاً عن توصيف المشهد وتلخيصه، لذا ولتبديد بعض من تعقيداته سأضع تصوراتي في شكل نقاط.
شخصياً، أتمنى لو أن الرئيس محمود عباس لا يرشح نفسه لدورة جديدة، فيتيح المجال أمام غيره، ولتبني برنامج سياسي جديد، ومختلف، متحرر من معادلات أوسلو.
لكن وجهة نظر أخرى تقول بأن أبو مازن هو الخيار الأنسب لفترة رئاسية قادمة؛ لحكمته القادرة على تجنيب شعبنا ويلات الحرب والدمار، وسياساته العقلانية المقبولة دولياً، وقدرته على توحيد «فتح»، ولأن أغلب الشخصيات البديلة المطروحة تفتقر للكاريزما، وليست موضع إجماع شعبي (ولا حركي)، والأهم أن ولاء بعضهم غير مضمون، بمعنى إمكانية أن يجعلوا من فلسطين مجرد ملحق في أحد المحاور الإقليمية (بحسب الجهة الداعمة)، أو استعدادهم للتنازل والتفريط.. والأخطر من ذلك احتمالية نشوب صراع صفري بين التيارات المتنافسة داخل الائتلاف الحاكم.. ويرى أصحاب هذا الرأي أن أبو مازن تمكن من توحيد فتح عبر المؤتمرين السادس والسابع.. وبرهن على قدرته في الوقوف أمام مخططات التصفية، حيث تصدى بشجاعة لصفقة القرن، وللضغوطات الإسرائيلية (بشأن قضية أسر الشهداء والأسرى)، كما أنه لم يلتحق بأي من المحاور الإقليمية الفاعلة في المنطقة، ويبررون له علاقاته المميزة مع السعودية، وغيرها من الدول المؤثرة والداعمة لأسباب يرونها منطقية.
وهذا الطرح، حتى لو اتفقنا أو اختلفنا معه، إلا أنه دليل على أزمة مستفحلة.. المفترض أن شعبنا بتاريخه النضالي الطويل، لديه الكثير من الشخصيات الوطنية والكفاءات المحترمة.. لكن على ما يبدو أن حالة الترهل والنكوص والانقسام وتراجع دور ومكانة الفصائل الوطنية، والعقلية التي سادت طوال الفترة الماضية قد أوصلتنا إلى هذا الواقع المفزع، ووضعتنا أمام هذا المأزق.
وجهة النظر الثانية، وهي صاعدة بقوة، ترشح الأخ مروان البرغوثي، عضو اللجنة المركزية لفتح، وترى فيه الخيار الأمثل.. فجميع استطلاعات الرأي تؤكد فوزه في حال ترشحه.. وهي فرصته الوحيدة لتحرره من الأسر، ولفتح ملف الأسرى بقوة، والمطالبة بتحريرهم.  
في المقابل، أعرف أناساً كثيرين مؤيدين للبرغوثي، ويحبونه، ولا يشكون لحظة بوطنيته وثوريته وكفاءته.. لكنهم على الأرجح لن ينتخبوه، فهؤلاء يعتقدون أن عشرين سنة من الاعتقال (سبقتها ست سنوات في الثمانينيات) فترة طويلة جداً، حجبته عن العالم الخارجي، وتركت في نفسه جروحاً غائرة، الأمر الثاني أن فوزه في الانتخابات لا يشكل ضمانة للإفراج عنه، بل إن إسرائيل قد تستغل القضية إعلامياً (وهي بارعة وفاجرة في الإعلام)، فتُظهر الشعب الفلسطيني وقد انتخب رئيساً له، أدانته محكمة إسرائيلية بالإرهاب، وقد تمضي فترة طويلة قبل خضوعها للضغوط الدولية (لا نعلم مدى جدية تلك الضغوط)، وبالتالي ستكون الرئاسة معطلة ومشلولة.
ولكن، فيما يتعلق بفترة سجنه الطويلة، لدينا مثال «نيلسون مانديلا»، فبينما كان قد أتم أزيد من ربع قرن وهو في الأسر، تمكن بكفاءة وقوة من إدارة مفاوضات مضنية مع الحكومة العنصرية، ومن تثبيت رؤيته السياسية التي أفضت إلى دولة ديمقراطية، وبعد سنوات قليلة من تحرره ترأس بلاده وقادها إلى بر الأمان.
وإذا أرادت إسرائيل طرح مقولة «شعب غير ناضج ينتخب رئيساً إرهابياً»، فلنطرح مقولة «شعب أسير يقوده رئيس أسير» ولنجعل منها وسيلة ضغط على الاحتلال.
ولتجنب مأزق تعطيل مؤسسة الرئاسة (في حال ترشيح البرغوثي) ليكن مرشح نائب الرئيس، فالأهم من ترؤسه للسلطة، هو ترؤسه لحركة فتح، وهو حر طليق، حيث ستكون أمامه مهمة وطنية بالغة الأهمية، وليس غيره قادراً عليها: توحيد «فتح»، والنهوض بها مجدداً.
 نحن بأمس الحاجة إليه، خاصة بعد تراجع مكانة «فتح»، وتأخرها عن ممارسة دورها التاريخي؛ فمروان هو مهندس الانتفاضة الثانية، كما كان «أبو جهاد» مهندس الانتفاضة الأولى، وإذا كان «أبو جهاد» قد صاغ برنامجه معتمداً على شعاره الأثير «لنستمر بالهجوم»؛ فإن «مروان» لديه برنامج كامل للنضال الفلسطيني.
برأيي المتواضع، ليس لدينا حالياً من له شعبية توازي شعبيته. نحتاجه لأننا عرفناه مناضلاً يقود بروح المغامر، وقلب الفدائي، وإحساس المسؤول، ولأنه الأقدر على اقتحام المراحل، واتخاذ القرارات الصعبة، ولأنه منفتح على العملية السياسية بعقلية براغماتية واعية، تحافظ على الثوابت.
«مروان» الذي استحق عن جدارة لقب «مانديلا فلسطين»، وظل حاضراً في كل تفاصيل الحياة السياسية الفلسطينية رغماً عن السجان، لا بد أن يكون حاضراً بقوة في الانتخابات القادمة؛ ببساطة لأنه أمل «فتح» الكبير، ورهانها الرابح، ليس للفوز بالانتخابات، بل لإعادة «فتح» إلى مكانتها الطبيعية، ولملمة شتاتها، وتوحيد صفوفها، ولاستعادة روح الكفاح الثوري التي فقدنا جزءاً كبيراً منها.
وأكثر ما يثير السخرية، مقولة ساذجة يرددها خصوم وأعداء «مروان»، بأن إسرائيل ستفرج عنه بعد أن قامت بتلميعه، وتهيئته للحل السلمي.. ألا يكفي ربع قرن في الأسر ومثلها في ساحات الوغى، لدى البعض ليسلم بوطنية مروان!!

الكلمات الدلالية