نشر بتاريخ: 2021/02/24 ( آخر تحديث: 2021/02/24 الساعة: 11:06 )
هاني العقاد

 

بعد ان صدر مرسوم الرئيس الخاص بتوفير مناخات مناسبة من خلال حماية الحريات العامة السياسية والاعلامية وضمان ممارستها وفق القانون الاساسي وقانون الانتخابات، وبعد ان انهت اللجنة المركزية للانتخابات الفلسطينية المرحلة الاولى من مراحل العملية الانتخابية، وهو تحديث السجل الانتخابي، والذي انتهى الاسبوع الماضي ايذانا ببدء المرحلة الثانية بعد ايام وهي مرحلة الترشح وبناء القوائم.
بلا شك اصبحت المرحلة مرحلة المواطن الآن واصبح هذا المواطن فجأة مركز ومحور الاهتمام الفصائلي وحتى الدول المركزية في العالم للتنبؤ باتجاهات الانتخابات القادمة. الملفت للنظر انه بعد 15 عاما من التجاهل والانكار والتهميش للمواطن الفلسطيني اصبح الجميع مشغول بارضاء هذا المواطن بالطريقة التي يستطع من خلالها هذا الفصيل او ذاك الحصول على صوته الانتخابي، ليس لانه مواطن صبر وتألم وناضل من اجل البقاء والصمود في وجه الانقسام الاسود الذي كان سببا في حال تشتت وطني ومجتمعي واسري غير مسبوقة بالعالم العربي.
دون المواطن لن تكون هناك انتخابات.. ودون ان يسارع المواطن لحشد قدراته وقوته ورأيه وصوته من اجل  تصحيح كارثة كان سببها الانقسام تجاوزت كل المستويات السياسية فان الحالة الفلسطينية لن تتغير.. ودون ان تعطى الحرية الكاملة للمواطن في اختيار ممثليه السياسيين دون اللعب بلقمة عيشه واستغلال فقره وحاجاته فان اختياره لن يكون صحيحا ولن يصحح المسار الخاطئ والذي آلمه وقضى على مستقبل ابنائه.. ليس هذا فقط بل ان يكون بذلك قد اجبر لان يعود للماضي ويكرس المزيد من التشتت في الحالة الفلسطينية، وقد يكون ذلك سبببا في ان يدوم الانقسام ويعيش فترة اخرى من الزمن..!

المواطن اليوم عرض في سوق نخس اسمها سوق الانتخابات يبيع فيه من يبيع ويشتري فيه من يشتري.. الكل يتبارى لان يحدد ثمنه وقيمته المادية.. منهم من يقول ان ثمنه دولار، ومنهم من يقول انه يساوي عشرة، ومنهم من يقول ان ثمنه اكثر بكثير فثمنه كابونة تعينه على فقر الدنيا وضنكها.. وهذا ليس انقلابا في المفاهيم الوطنية والانسانية ولا تغيرات اصابت العقيدة الحزبية جعلت المواطن في المقام الاول من الاهتمام السياسي والانساني والمادي.. الحقيقة ان السادة اصحاب الرؤى السياسية والساسة واصحاب الاحزاب والحركات التي سترشح قوائم لها اتبعت هذه الاستراتيجية المهينة لارضاء المواطن واستغلال فقره لاجل الورقة الانتخابية الخاصة به في صندوق الاقتراع، وبعدها لن يحصل هذا المواطن على شيء، وسيعود للفقر والجوع والحرمان، وان اشتكى لاحد او قال آه على الملأ او عبر عن ذلك في مواقع التواصل الاجتماعي اصبح من وجهة نظر هذه الاحزاب خائن وعميل، وهذا اقل اتهام ممكن ان يوجه اليه.

مسكين هذا المواطن، إذ لم تتح له الفرصة لحياة كريمة حقيقية سوى بضعة ايام، اي بالتزامن مع الانتخابات وقبل يوم الاقتراع فقط، وقد يكون مقابل هذا وقع تعهدات ومبايعات والتزامات باعطاء صوته لمن دفع ومن اعطاه المال او المونة او كسوة الشتاء.. وان لم يفعل ذلك فانه قد يدفع اكثر مما اخذ او يرجم كالشيطان ان لم يكن الجلد بالسوط.

سوق الانتخابات تعج اليوم بالسلوكيات غير المقبولة ولا يمكن باي شكل من الاشكال، ولا يقبلها الا الفاقد لانسانيته وغير القادر على صناعة المستقبل، ومن يكتفي بالحياة الان فقط وليفعل الاخرون ما يفعلوا. قليلون من بقيت عزة أنفسهم على حالها بعد هذا الخراب الكبير في حياة المواطن السياسية والاجتماعية والمعيشية.. وقليلون من يعتبروا الثمن الذي يدفع الان وقبل هذا التاريخ اهانة للانسانية والآدمية.. على هؤلاء ان يتحدثوا لانفسهم ويذكروها بمراحل الانكار لوجودهم ووجود ابنائهم ويعترفوا ان من اشتراهم اليوم بعشرة دنانير سيبيعهم غدا، اي بعد نتيجة الانتخابات بالمجان. عليهم ان يعترفوا لانفسهم انهم عاشوا الحرمان بسبب التمييز السياسي لان الحاكم لا يعطي الا ابناءه وزبانيته واقربائه، وهو ليس منهم. عليه ان يقول لنفسه ان الزمن الماضي كان مرحلة تركت علامات خطيرة في نفسيته لكنها كافية لان يقف بثقة امام الفرصة التاريخية الحالية ليكون مفتاح التغيير الاساسي من اجل ان يعيش هو وابنائه بكرامة ومساواة وعزة نفس.

المواطن يا سادة ليس سلعة للشراء وقتما تريدون.. المواطن له حقوق متساوية مع جميع ابناء الوطن لا تخضع لأي معايير سياسية ولا انتماءات ولا عصبية ولا فصائلية ولا قبلية.. المواطن يعرف ان ثمنة اليوم يرتفع، لكن لن يقبل ان يهان بعد اليوم.. حقوقه الاساسية كفلها القانون ولا تقبل أن يتم الالتفاف عليها.. حقه في حياة كريمة وعيش شريف وعزة نفس يحميها القانون ودم محرم على احد أخذه بأي شكل كان، وعلى القانون حمايته بالقوة.

المواطن الآن يا سادة يعرف الحقيقة بكل تفاصيلها ولم ينس، ولم يفقد الذاكرة، لم يتوه عن الدفاتر القديمة التي سطر فيها الالم والوجع صفحات كتبت بدموع ابنائة الجوعى والمحرومين، من كانوا يذهبون للمدرسة دون مصروف ودون نعال جديدة كباقي ابناء اصحاب السلطة وابناء الاحزاب وابناء تجار الحروب وابناء الالسنة والمزاودين ومن يتشدقوا ليل نهار بحب الوطن ويحلفوا بشرفهم وشرف المواطن كذبا لان وعدهم بناء هذه الامة كان كذبا. ويعرف من باعوا الوهم للمواطن ورأى بأم عينيه انهم لم يبنوا سوى قلاع لابنائهم ومصانع لاحفادهم اشتروا سيارات فارهة تنقل افراد اسرهم الى الملاهي والحانات والشاليهات.. وبعد ساعة تعج مواقع التواصل بالصور وكل اشكال البرجوازية. المواطن يعرف يا سادة ان الوطن لم يعد مشروعا استثماريا، وبات على امل ان القادم للفقراء والمحتاجين امثاله، وهم من سيحكموا البلد، وهم من سيدافعوا عن الجميع دون استثناء، وهم من سيحملوا رغيف العيش لكل من يحتاج، وليس لابناء احزابهم وحركاتهم.